اختلاف القراءات

يُنسب كلّ واحد من المصاحف القديمة إلی إحدی المدن المعروفة الرئيسية: البصرة، والكوفة، والمدينة، ومكّة والشام، وقد تمّ تسجيل وتدوين الاختلافات والفوارق بين مصاحف هذه البلدان في أقدم المصنّفات الإسلامية، وبناءً علی الجدول التالي ودراسة مواضع الاختلاف بين المصاحف يمكننا أن نستنتج أنّ مصحف المشهد الرضوي في غاية البعد عن الخصائص التي اختصّت بها مصاحف بلاد الشام والكوفة والبصرة، وهو أقرب ما يكون إلی مصاحف المدينة ومكّة، فإنّ هذه المقارنة تبيّن أنّ مصحف المشهد الرضوي بشكل عامّ يتطابق مع قراءة مصاحف المدينة سوی ما ورد في موضعين (التوبة: 100) و(الكهف: 95) حيث جاء مطابقاً لمصاحف مكّة، وفي موضع آخر (الزمر: 64) جاء مطابقاً مع مصاحف الشام.
احتوت الكثير من المصاحف القديمة علی قراءات مختلفة في آن واحد، ومعنی ذلك أنّ كاتبها لم يلتزم بكتابة المصحف على قراءة واحدة، وكذلك الحال أيضاً في مصحف المشهد الرضوي، علماً أنّ اختلاف القراءات بمعناها السائد إنّما ظهر في القرن الرابع فصاعداً في قراءة القرّاء السبعة، حيث لا نری ذلك في مصاحف القرنين الأوّل والثاني الهجريّين، وشواهده فيهما قليلة جدّاً؛ فمصاحف القرون الأولی إمّا أن نجد فيها اختلافات دالّة علی قراءات مناطق تواجدها مثل مكّة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، والشام، وقد تحدّثنا عن هذا الموضوع آنفاً تحت عنوان اختلاف مصاحف الأمصار، أو نجد فيها اختلافات في كتابة الحروف وطريقة تنقيطها هنا وهناك بشكل متفرّق، وهذا لا يعني التزام الكاتب باتّباع إحدی قراءات القرّاء السبعة بشكل خاصّ، بل يمكن أن تكون اختلافات الحروف وتنقيطها مستوحاة من الطريقة المعهودة من قراءة أحد الصحابة أو التابعين.
كما اشتمل مصحف المشهد الرضوي علی نوعين آخرين من اختلاف القراءات: الأوّل: الاختلافات التي ظهرت تزامناً مع وضع حركات الإعراب بالعلامات الملوّنة؛ ولعلّ هذا الأمر قد تمّ في فترة متأخّرة عن كتابة أصل النصّ، حيث يمكن أن يكون فيه إشارة إلی قراءة القرّاء السبعة وغير القرّاء السبعة. والثاني: اختلاف القراءات التي ظهرت من خلال نَقْط الإعجام في المصحف؛ وهذا يحتمل أن يكون متزامناً مع فترة كتابة أصل النصّ أو متأخّراً عنه بقليل.
والجدول التالي يبين قائمة مختصرة جداً لبعض القراءات في سورتي البقرة وآل عمران في مصحف المشهد الرضوي: