ترتیب السّوَر

تختلف الحالة الأوّليّة لمصحف مشهد كثيرًا وتمتاز عن سائر المصاحف القرآنيّة القديمة المعروفة في العالم والتي دُوّنت بالخطّ الحجازي. ففي القرن الأوّل الهجري لم تكن كتابة بعض المصاحف القرآنيّة بترتيب متمايز ومختلف للسور أمرًا عزيزاً أو مستحيلاً. فعلاوةً على كون الروايات والنصوص المختلفة المذكورة في التاريخ الإسلامي قد أشارت إلى هذه المسألة، لا تزال بعض نماذج ذلك محفوظةً في دار المخطوطات في صنعاء (كالنسخ الثلاثة مثلًا المرقّمة 01-27.1 و 01-28.1 و 01-32.1). وبدوره كان مصحف المشهد الرضوي أيضًا من ضمن هذا الصنف من كتب القرآن القديمة التي دُوّنت بدايةً مطابقةً لترتيب ابن مسعود، لتعود وتشهد في المراحل اللاحقة تعديلًا وإصلاحًا في ترتيب السور.
يبدو أنّ هناك ظاهرة غريبة في إصلاح وترميم مصحف المشهد الرضوي تجعل منه مصحفاً فريداً بين سائر المصاحف القديمة المعروفة؛ إذ إنّ أكثر أوراق هذا المصحف المشتملة علی أوائل السُّوَر أو نهاياتها قد طالتها يد التصرُّف والتغيير؛ فعندما نصل إلی نهاية سورة وبداية سورة أخری نری أنّ تلك الصفحة قد كُتبت مرّة أخری كلّها أو قسمٍ منها بخطّ كوفي مغاير للخط الحجازي الذي كُتب به المصحف، وهذا يشير إلى وجود جهود فرديّة أو جماعيّة سعت إلی أن تجعل ترتيب سور هذا المصحف مطابقاً للترتيب العثماني المتداول في عصرهم وإلی عصرنا الحاضر؛ ومن هنا كان هؤلاء ملزمين بالقيام بعملية القصّ واللّصق (cut and paste) ليتمّ بها إلحاق الأوراق المشتملة علی أوائل السور، ويتناسب مع تسلسل السُّوَر في المصحف، بما يجعل ترتيب سُوَرِه مطابقاً للترتيب العثماني.
ويتبيّن لنا من خلال التدقيق في هذه الأوراق أنّ من قام بإصلاح المصحف، من ترميم وترتيب قد محا ما كان علی الأوراق من حبر الكتابة السابقة، وذلك بعملية حكّ أو غسيل قسمٍ منها أو كلّها، ليستغلّها في كتابة آيات أخرى علی الورقة نفسها. لقد جاء التصرّف والتغيير في الأوراق المشتملة علی بدايات ونهايات سور القرآن من مصحف المشهد الرضوي علی أشكال مختلفة؛ فعادة ما تنتهي سورة فيأتي أوّل السورة التي تليها علی نفس تلك الصفحة وواضح أنّها كُتبت بخطّ متمايز كلّيّاً، أي إنّ الشخص الذي قام بإصلاح المصحف قام بتنظيم مقاييس كتابة حجم الحروف من كبرها ودقّتها ومقدار المدّ فيها، بحيث يتمكّن من أن يجعل قسماً من أوّل السورة التالية في هذا المكان ليتمّ لصقها بالورقة التي تليها. وبناءً علی هذا ندرك بوضوح أنّ نصّ مصحف المشهد الرضوي وإن كان مطابقاً للنصّ العثماني، إلّا أنّ ترتيب سُوَره في الأصل لم يكن مطابقاً للترتيب العثماني؛ وقد تمّت مطابقة هذا الترتيب مع الترتيب العثماني في عقود لاحقة، من خلال قيامهم بعمليّة القصّ واللّصق. وهناك سبعة مواضع فقط من مصحف المشهد الرضوي لم تطلها يد التغيير في بداية سورها ونهايتها؛ وهذا يدلّ علی أنّ ترتيب السور في هذه المواضع السبعة من المصحف كان مطابقاً للترتيب العثماني؛ ولذلك تُركت هذه المواضع كما هي من غير تغيير من قِبَل المتصدّي لإصلاح المصحف.
فلابدّ أن نجيب علی السؤال التالي، وهو: مع أيّ مصحف من مصاحف الصحابة يتطابق ترتيب السُّوَر في الحالة الأوليّة من هذا المصحف؟ والجواب يتوقّف علی الفحص الدقيق في بدايات السور في مصحف المشهد الرضوي، وهو يرشدنا إلی أنّ الترتيب الأصلي لسور هذا المصحف __ من بين مختلف الروايات المنسوبة إلی الصحابة مثل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وغيرهم __ يتطابق بشكل كامل مع ترتيب مصحف ابن مسعود، علماً أنّ ترتيب السور في الرواية العثمانية وابن مسعود تتطابق مع بعضها البعض في 8 مواضع طبقاً لرواية ابن أشته، وعلی رواية النديم في 12 موضعاً. وعلی سبيل المثال، فقد جاءت السور «هود ويوسف»، «العنكبوت والروم»، «سبأ وفاطر»، «الزمر وغافر»، «فصّلت والشورى»، «الذاريات والطور»، و«المرسلات والنبأ» متوالية مترادفة في كلا الترتيبين العثماني وابن مسعود، ولذلك نری أنّ مصحف المشهد الرضوي استغنی عن عملية الترميم أو القصّ والإلحاق في هذه الموارد حصراً؛ ومعنی ذلك أنّ هذا المصحف بقي كما هو عليه في هذه الموارد بشكل كامل، ولم تطله يد التغيير والتصرّف، فلم يتغيّر فيه رسم خطّ كاتبه الأصلي؛ في حين نرى أنّ يد التغيير والتصرّف قد تدخّلت في غير هذه المواضع في جميع الأوراق المشتملة على بداية ونهاية السورة في هذا المصحف.
والسؤال الأهم هو: ما هي الأسباب التي دعت إلی كتابة المصحف بناء علی الرواية الرسمية العثمانية، في حين أنّ السور جاءت طبقاً لترتيب ابن مسعود؟ والإجابة التفصيلية لهذا السؤال جاء في المقدمة المنشورة لطباعة مصحف المشهد الرضوي.

تسلسل سورة یوسف (12) ورعد (13)، مع وقوع تغيير وترميم

 

تسلسل سورة هود (11) ویوسف (12)، من دون أيّ تغيير أو ترميم

 

تسلسل سورة السجدة (32) والأحزاب (33)، مع وقوع تغيير وترميم

 

تسلسل سورة المرسلات (77) والنبأ (78)، من دون أيّ تغيير أو ترميم

ترتیب السّوَر

تختلف الحالة الأوّليّة لمصحف مشهد كثيرًا وتمتاز عن سائر المصاحف القرآنيّة القديمة المعروفة في العالم والتي دُوّنت بالخطّ الحجازي. ففي القرن الأوّل الهجري لم تكن كتابة بعض المصاحف القرآنيّة بترتيب متمايز ومختلف للسور أمرًا عزيزاً أو مستحيلاً. فعلاوةً على كون الروايات والنصوص المختلفة المذكورة في التاريخ الإسلامي قد أشارت إلى هذه المسألة، لا تزال بعض نماذج ذلك محفوظةً في دار المخطوطات في صنعاء (كالنسخ الثلاثة مثلًا المرقّمة 01-27.1 و 01-28.1 و 01-32.1). وبدوره كان مصحف المشهد الرضوي أيضًا من ضمن هذا الصنف من كتب القرآن القديمة التي دُوّنت بدايةً مطابقةً لترتيب ابن مسعود، لتعود وتشهد في المراحل اللاحقة تعديلًا وإصلاحًا في ترتيب السور.
يبدو أنّ هناك ظاهرة غريبة في إصلاح وترميم مصحف المشهد الرضوي تجعل منه مصحفاً فريداً بين سائر المصاحف القديمة المعروفة؛ إذ إنّ أكثر أوراق هذا المصحف المشتملة علی أوائل السُّوَر أو نهاياتها قد طالتها يد التصرُّف والتغيير؛ فعندما نصل إلی نهاية سورة وبداية سورة أخری نری أنّ تلك الصفحة قد كُتبت مرّة أخری كلّها أو قسمٍ منها بخطّ كوفي مغاير للخط الحجازي الذي كُتب به المصحف، وهذا يشير إلى وجود جهود فرديّة أو جماعيّة سعت إلی أن تجعل ترتيب سور هذا المصحف مطابقاً للترتيب العثماني المتداول في عصرهم وإلی عصرنا الحاضر؛ ومن هنا كان هؤلاء ملزمين بالقيام بعملية القصّ واللّصق (cut and paste) ليتمّ بها إلحاق الأوراق المشتملة علی أوائل السور، ويتناسب مع تسلسل السُّوَر في المصحف، بما يجعل ترتيب سُوَرِه مطابقاً للترتيب العثماني.
ويتبيّن لنا من خلال التدقيق في هذه الأوراق أنّ من قام بإصلاح المصحف، من ترميم وترتيب قد محا ما كان علی الأوراق من حبر الكتابة السابقة، وذلك بعملية حكّ أو غسيل قسمٍ منها أو كلّها، ليستغلّها في كتابة آيات أخرى علی الورقة نفسها. لقد جاء التصرّف والتغيير في الأوراق المشتملة علی بدايات ونهايات سور القرآن من مصحف المشهد الرضوي علی أشكال مختلفة؛ فعادة ما تنتهي سورة فيأتي أوّل السورة التي تليها علی نفس تلك الصفحة وواضح أنّها كُتبت بخطّ متمايز كلّيّاً، أي إنّ الشخص الذي قام بإصلاح المصحف قام بتنظيم مقاييس كتابة حجم الحروف من كبرها ودقّتها ومقدار المدّ فيها، بحيث يتمكّن من أن يجعل قسماً من أوّل السورة التالية في هذا المكان ليتمّ لصقها بالورقة التي تليها. وبناءً علی هذا ندرك بوضوح أنّ نصّ مصحف المشهد الرضوي وإن كان مطابقاً للنصّ العثماني، إلّا أنّ ترتيب سُوَره في الأصل لم يكن مطابقاً للترتيب العثماني؛ وقد تمّت مطابقة هذا الترتيب مع الترتيب العثماني في عقود لاحقة، من خلال قيامهم بعمليّة القصّ واللّصق. وهناك سبعة مواضع فقط من مصحف المشهد الرضوي لم تطلها يد التغيير في بداية سورها ونهايتها؛ وهذا يدلّ علی أنّ ترتيب السور في هذه المواضع السبعة من المصحف كان مطابقاً للترتيب العثماني؛ ولذلك تُركت هذه المواضع كما هي من غير تغيير من قِبَل المتصدّي لإصلاح المصحف.
فلابدّ أن نجيب علی السؤال التالي، وهو: مع أيّ مصحف من مصاحف الصحابة يتطابق ترتيب السُّوَر في الحالة الأوليّة من هذا المصحف؟ والجواب يتوقّف علی الفحص الدقيق في بدايات السور في مصحف المشهد الرضوي، وهو يرشدنا إلی أنّ الترتيب الأصلي لسور هذا المصحف __ من بين مختلف الروايات المنسوبة إلی الصحابة مثل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وغيرهم __ يتطابق بشكل كامل مع ترتيب مصحف ابن مسعود، علماً أنّ ترتيب السور في الرواية العثمانية وابن مسعود تتطابق مع بعضها البعض في 8 مواضع طبقاً لرواية ابن أشته، وعلی رواية النديم في 12 موضعاً. وعلی سبيل المثال، فقد جاءت السور «هود ويوسف»، «العنكبوت والروم»، «سبأ وفاطر»، «الزمر وغافر»، «فصّلت والشورى»، «الذاريات والطور»، و«المرسلات والنبأ» متوالية مترادفة في كلا الترتيبين العثماني وابن مسعود، ولذلك نری أنّ مصحف المشهد الرضوي استغنی عن عملية الترميم أو القصّ والإلحاق في هذه الموارد حصراً؛ ومعنی ذلك أنّ هذا المصحف بقي كما هو عليه في هذه الموارد بشكل كامل، ولم تطله يد التغيير والتصرّف، فلم يتغيّر فيه رسم خطّ كاتبه الأصلي؛ في حين نرى أنّ يد التغيير والتصرّف قد تدخّلت في غير هذه المواضع في جميع الأوراق المشتملة على بداية ونهاية السورة في هذا المصحف.
والسؤال الأهم هو: ما هي الأسباب التي دعت إلی كتابة المصحف بناء علی الرواية الرسمية العثمانية، في حين أنّ السور جاءت طبقاً لترتيب ابن مسعود؟ والإجابة التفصيلية لهذا السؤال جاء في المقدمة المنشورة لطباعة مصحف المشهد الرضوي.

 

تسلسل سورة یوسف (12) ورعد (13)، مع وقوع تغيير وترميم

 

تسلسل سورة هود (11) ویوسف (12)، من دون أيّ تغيير أو ترميم

 

تسلسل سورة السجدة (32) والأحزاب (33)، مع وقوع تغيير وترميم

 

تسلسل سورة المرسلات (77) والنبأ (78)، من دون أيّ تغيير أو ترميم